لقد سيطر الفكر المثالي على التفكير الاجتماعي في مراحل الحضارات القديمة إلى أن عانت المجتمعات الأوروبية من أزمات حادة ظلت تتفاقم بعد الثورتين الصناعية والفرنسية، باعتبارهما نتاج تاريخي لأزمات متراكمة ترجع جذورها إلى العصور الوسطى، أسهمت بشكلٍ واضحِ في إحداث تغيرات شتى شملت مختلف جوانب المجتمعات الأوروبية، وتزامنت هذه الأوضاع مع ظهور تخصص علم الاجتماع؛ فشكّل موضوع التغير المحور الفعلي والإشكالية الكبرى لرواد السوسيولوجيا الأوائل، ولا يزال يشغل مركز اهتمام هذا التخصص، ويثير مفهوم التغير الاجتماعي مجموعة من التساؤلات الإبستيمولوجية التي تستدعي القيام بوقفة تأملية بهدف إبراز حدوده، وتبيان ملامحه، ويعتبر سؤال المفهوم من الإشكالات المركزية التي تدفع بالمختص في السوسيولوجيا إلى تمييزه عن مجموعة من المفاهيم الأخرى المتداخلة معه من جهة، ورغم تباين الرؤى والنظريات والاتجاهات المفسرة للتغير الاجتماعي، يجد المنشغلون بهذا الموضوع أنفسهم أمام تساؤلات منهجية تفرض نفسها عليهم؛ ما المقصود بالتغير الاجتماعي؟ وكيف تتغير المجتمعات؟ هل تتغير عن طريق العوامل الاقتصاد (قوانين المنافسة...)؟ أم بعامل التقنية (التحول المعلوماتي..)؟ أم بالعوامل الثقافية (القيم، والأفكار الجديدة...)؟ أم بالعوامل السياسية (فعل الدولة، والجماعات الضاغطة...)؟ أم بالصراعات الاجتماعية؟ كيف قاربه الفكر الاجتماعي؟ وكيف وظف في الفكر الأنتروبولوجي؟ وكيف فسره السوسيولوجيون؟ وما مدى الاختلاف القائم بين النظريات السوسيولوجية التي تداولته؟
- معلم: DAOUD OMAR